أبو معاذ الجزائري مدير
عدد الرسائل : 138 الدولة : 0 الدولة : 0 تاريخ التسجيل : 04/05/2008
| موضوع: خطبة الشيخ أبو عبد الله لزهر سنيقرة حفظه الله من مظاهر أذية المسلمين الإثنين 02 يونيو 2008, 14:38 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد ى لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيأت أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. "ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" . "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساء لون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" . "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما" . أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أما بعد , أيها المسلمون : إ ن من مقاصد هذا الدين العظيم جمع كلمة المسلمين و توحيد صفوفهم و أن تجتمع كلمتهم وتجتمع قلوبهم على توحيد الله جل وعلا والعمل بأحكامه ظاهرة و باطنه. إن أحكام الشرعة كثيرة هي التي القصد منها إشاعة المحبة بين المسلمين وتوثيق روابط الأخوة والتآلف بينهم , وما من سبب من الأسباب التي تفسد هذه العلاقة وتؤثر فيها إلا حرمها الإسلام رجاء تحقيق هذه الغاية العظيمة , بل إن الله تبارك وتعالى جعل أهل الإسلام لحمة واحدة "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" . إنما المؤمنون إخوة , قال رب العزة و الجلال بأداة الحصر التي تفيد أن لا علاقة بينهم إلا هاته العلاقة العظيمة . فهم إخوة في دينا الله, إخوة في الإيمان, تجمعهم غاية واحدة, ويجمعهم طريق واحد , وجب عليهم لأجل هذا أن يكونوا جماعة واحدة إرضاء لربهم تبارك وتعالى و تحقيقا لقوتهم التي بها تمكينهم في الأرض, والتي بها يعلون كلمة الله جل و علا في أرض الله تبارك وتعالى . وإن من الأحكام التي جاءت لتحقيق هذا المقصد العظيم تحريم أذية المسلمين , فلا يجوز لمسلم أن يؤذي أخاه المسلم بأي نوع من أنواع الإيذاء , أن يؤذيه في دمه , أو أن يؤذيه في ماله , أو أن يؤذيه في عرضه, وقد أعلنها رسول الله صلى الله عليه و سلم , أعلنها مدوية في أعظم تجمع إيماني دعا فيه أصحابه , و دعا من خلاله أمته "ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا" أعلنها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك المشهد العظيم في يوم عرفة في حجته , في حجة الوداع , لأجل هذا كانت أذية المسلمين من ما يغضب الله جل و علا و يسخطه , وإن الله تبارك و تعالى يغار على حرمة المسلمين جميعا و إن الله تبارك و تعالى جعل حرمة المؤمن عظيمة عنده , أعظم من حرمة بيت الله كما قال عبد الله بن عمر ـ وهو ينظر إلى البيت ـ "ما أعظمك و ما أعظم حرمتك وإن حرمة المؤمن أعظم منك" , حرمة العبد المؤمن , هذه الحرمة التي عظمتها هذه النصوص , نصوص الكتاب و السنة . قال عليه الصلاة و السلام "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيء بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" , هذا في حق المعاهد الذي هو ليس على ديننا ولا على ملتنا و لكنه يعيش بيننا بأمان أهل الإسلام , يعيش آمنا في بلاد المسلمين , هذا المعاهد من ظلمه أو آذاه في شيء من الأشياء مهما كانت فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكون حجيجه يوم القيامة , ومن كان رسول الهدى حجيجه في هذا الموقف العظيم ـ نسأل الله جل و علا العفو و العافية ـ فكيف بالعبد المسلم , فكيف بمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , فكيف بمن يرتاد مساجد الله تبارك وتعالى و يمتثل أوامر ربه جل و علا , فهو جرم أذيته عن الله تبارك و تعالى , لا شك أنها أشد وأعظم , و قد حرم الله جل وعلا علينا هذه في نصوص كثيرة منها قول الله جل و علا "و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا" . الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا أي يستحقوه من أنواع العقوبات , و العقوبة هي الأذية , في أي شأن من شؤونهم , في أموالهم , أو في أنفسهم , أو في أعراضهم , فإن أصحاب هذا العمل الشنيع قد احتملوا بهتانا و إثما مبينا قال الله جل و علا فيه , قال الله تبارك و تعالى في تبيين الوعيد الشديد الذي يستحقه الذين وقعوا في هذا الأمر العظيم . وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذر أمته من مغبة الوقوع في أذية المسلمين فقال:"كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه " وقال عليه الصلاة و السلام "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين و لا تعيروهم و لا تتّبعوا عوراتهم ومن يتتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " , ولو في داخل بيته فإن الله جلّ و علا يفضحه , و الجزاء من جنس العمل , أي يفضحه لأجل صنيعه و وقيعته في أخيه المسلم الذي حرم الله جل و علا عليه أن ينال منه بشيء من الأشياء مهما كانت , و لهذا كان سلف هذه الأمة و هم يحذرون من مغبة هذا الأمر الخطير أن من وقع ـ أي من باب الجزاء من جنس العمل ـ أن من وقع في مسلم في أي نوع من أنواع الإيذاء فإن الله جل و علا يعاقبه في الدنيا قبل الآخرة من جنس فعله . قال الأحنف بن قيس ـ عليه رحمة الله جل و علا ـ: "من أسرع إلى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون " , من أسرع إلى الناس بما يكرهون أو فيما يكرهون , يعيّرهم , ويسخر منهم , أو يغتابهم أو يكذب عليهم أو يفتري أنواع الافتراءات التي تحط من قدرهم فإنه يبتلى في الدنيا , فإن الناس يتكلمون فيه ما لا يعلمون أي يفترى عليه و يفضح بفضائح كثيرة , و الجزاء من جنس العمل ـ نسأل الله جل و علا العفو و العافية ـ و رحم الله من قال : ومن دعا الناس إلى ذمّة ذمّوه بالحق أو بالباطل ومن دعا الناس إلى ذمّة أي إلى مذمّة ذمّوه بحق أو بباطل "جزاءا وفاقا".
عباد الله, اتقوا الله جل و علا في إخوانكم, اتقوا الله جل وعلا في إماءهم وأموالهم و أعراضهم. الواجب على المسلم أن يكون حافظا صائنا لحقوق إخوانه المسلمين, أن يكون مدافعا عن أعراضهم, ذابا عنهم, وهذا من تمام تحقيق الأخوة الإيمانية التي أمر الله عز و جل بها "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " قال عليه الصلاة و السلام. مظاهر أذية المسلمين كثيرة , و ما أكثرها في أيامنا , أذيتهم في أعراضهم , بالسّخرية بهم , أو بغيبتهم , أو بغمزهم و لمزهم , أو بالانتقاص من قدرهم , قال جل وعلا : "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهنّ " لا يسخر قوم من قوم بأي نوع من أنواع السخرية, فإنه مذموم في دين الله, حرّمه ربنا جل و علا على العباد. من مظاهر الأذية كذالك أن يغتاب أحدا من المسلمين , و الغيبة شر عظيم , و الغيبة كما قدّرها نبينا عليه الصلاة و السلام : "ذكرك أخاك بما يكره " , أي بمجرد أن تذكره بشيء يكرهه فقد اغتبته, ومن الناس من يتقصّد الغيبة بطريقة أو بأسلوب يفهم الناس أنه يريد النصح و يريد البيان , و إنما يريد إشاعة عيوب المسلمين ـ عياذا بالله جل و علا ـ . و من مظاهر أذيتهم أذيّتهم في طرقاتهم , و ما أكثر هذه الأذية في أيامنا من أولئك الذين لا يراعون هذه الأحكام و لا يصونون حقوق الغير , يؤذي جاره في طريقه , أو يؤذي الناس بسيّارته , أو يؤذي الناس ببيعه أو شراءه , ما جعلت هذه الطرقات لتكون أسواقا , كثير من الناس جعلوها كذلك رغما عن الناس , و هذه أذية للمسلمين حرام على من واقعها و وقع فيها , و الواجب أن يتقي الله جل و علا في نفسه . أذية المسلمين في طرقاتهم في سيرك خاصة بسيارتك, بعدم احترام قوانين المرور, أو في المخالفات الكثيرة التي تكون سببا لأذية المسلمين, يصل الأمر إلى إزهاق الأنفس البريئة , طيش شباب بسيارة يكون سببا لوفاة العشرات من الناس , و هذا واقع مؤلم نعيشه . من أذيتهم في طرقاتهم ما يفعله السفلة من الناس من إغلاق الطرقات على المسلمين من غير سبب و لا مبرر, و الواجب على ولاّة الأمور أن يأخذوا على أيديهم حفظا لحقوق الناس. من أنواع أو مظاهر الأذية كذلك , التي تعدّت حتى بلغت مساجد الله عز و جل, المسلم يؤذي إخوانه في المساجد, كيف ذلك؟ يؤذيهم بالرائحة الكريهة التي نهانا النبي صلى الله عليه و على آله و سلم أن ندخل بيوت الله جلا و علا ـ هذه البيوت الطاهرة ـ بمثل هذه الرّوائح الكريهة التي تؤذي أهلها من عباد الله المؤمنين أو من ملائكة الرحمان التي تتأذى منها , "من أكل من الثوم أو من البصل فلا يقربنّ مسجدنا " قال عليه الصلاة و السلام. و الله جلّ و علا أمرنا أمرا عظيما تحقيقا لتعظيم هذه البيوت "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " , تعهّد نفسك , تعهد رائحتك , و إن كان الأمر في ما هو مباح نهينا أن ندخل المساجد به فكيف بالأمور الأخرى الخبيثة من أولئك الذين نسأل الله جلّ و علا لنا و لهم الهداية من المدخنين الذين يدخلون بيوت الله و تخرج منهم هذه الرّوائح الخبيثة التي تؤذي من صلى أمامهم , و لأجل هذا فإننا ننصح إخواننا بأن يتوبوا إلى الله جلّ وعلا من هذه العادات القبيحة السيئة , و ينيبوا إليه فإنها و الله الذي لا إله غيره معصية لله و إثم عند الله تبارك و تعالى من مات عليه مات على ذنب عياذا بالله . من مظاهر الأذية كذلك , أذية الجار لجاره , و ما أشدّ هذه الأذية التي جاء فيها وعيد شديد في نصوص نبويّة صحيحة كثيرة , قال عليه الصلاة و السلام "و الله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه " أي من لا يأمن جاره منكراته و فساده , الذي يؤذي جاره في مسامعهم و يرفع أصوات المعازف و الغناء في أفراح أو في غيرها من الذين عرّضوا نفسهم لهذا الوعيد الشديد , إنها أذيّة للمسلمين , بل إنك تؤذيهم و لو رفعت لهم صوت جهازك لتلاوة القرآن , لأنك ما أمرت بهذا , أن تؤذي من حولك من جيرانك أو غيرهم , و لعلّ هذا من أشدّ و أعظم أنواع الإيذاء . المؤمن عليه أن يرعى حق الجار, و الجار له حقّين, حق الإسلام أولا, و حق الجوار ثانيا, بمعنى أن للجار حقا ولو لم يكن مسلما, فكيف به وهو مسلم ؟ , فاتقوا الله عباد الله , اتقوا الله في إخوانكم , و اتقوا الله جلّ و علا في جيرانكم , "من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليحسن إلى جاره " قال عليه الصلاة و السّلام كما جاء في الصّحيح . من أنواع الإيذاء كذلك , أذيّة المسلم لعمّاله و أجرائه الذين هم تحته و تحت مسؤوليّته يهضم حقوقهم و لا يعطيهم أجورهم , و يكلفهم فوق ما يطيقون جهدا و وقتا , و إنه عند الله جلّ و علا لعظيم لأنها إذاية للمسلمين خاصة إذا كانوا من الضعفاء , من الفقراء و أنت من الأغنياء , يكون إثمك و جرمك مضاعف لأنه إثم أذيّة وإثم تجبر و تسلّط على ضعفة المؤمنين , ـ نسأل الله جل وعلا العافية ـ فاتّقوا الله عباد الله و صونوا حقوق إخوانكم , واعلموا عظم هذا الحقّ عند الله جلّ و علا , و إيّاكم ثمّ إيّاكم أن تأتوا ربّكم يوم القيامة و يأتي من يأتي من عباده المؤمنين الصالحين و يكون خصما لكم بين يدي ربّكم تبارك و تعالى . اتّقوا الله جلّ و علا , و اتّقوا الله في إخوانكم , و اتّقوا الله في جيرانكم , و إيّاكم أن تعرّضوا أنفسكم لسخط ربّكم بأذية عبد من عباد الله لأنّ حرمة المؤمن عند الله جلّ و علا عظيمة , و الله جل وعلا لا يرضى أن يؤذي مؤمنا على وجه الأرض , فكيف يؤذيه مؤمن آخر من عباد الله تبارك و تعالى . نسأل الله أن يوفقنا على طاعته, و أن يوفقنا على شرعه, و السّير على هدي نبيّه إنه سميع مجيب الدعاء. و سبحانك الهم و بحمدك , أشهد أن لا إله إلاّ أنت , أستغفرك وأتوب إليك.
و كتب أبو عبد الله رشيد أمسية الجمعة 25جمادى الأولى 1429 30ماي2008
خطبة الشيخ لزهر سنيقرة ليوم الجمعة 25جمادى الأولى1429 ـ حفظه الله و سدّد على الخير خطاه ـ نسأل الله أن يحفظ مشايخنا و علمائنا و جميع من علّمنا ـ إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب ـ ـ تمّ بحمد الله ـ | |
|